السبت، 18 أكتوبر 2008

راي حر - النقابي محمد الهادي التواتي




مسرحية التفاوض الإجتماعي طالت أكثر من اللزوم



إن وصول الوضع الإجتماعي إلى الحالة التي هو عليها من سوء وتدهور في الوضعية المادية والمعنوية للشغالين وأمام عجز قيادة الاتحاد عن الدفاع عن مطالبهم يقتضي تحرك القواعد النقابية واعتماد الطرق النضالية المشروعة لضمان حقوقهم ووضع حد لمسرحية التفاوض غير المجدي وصراع الديكة بين طرفي المفاوضات الإجتماعية.

إن مواصلة طرفي التفاوض تجاهل هذا الوضع الحرج وتماديهما في حوار الصم حتى بعد تدخل رئيس الجمهورية وإقراره لعديد الإجراءات لرفع الإحتقان الذي بدأ يدب في صفوف الشغالين ودفع هذين الطرفين إلى الدخول في صلب الموضوع يجعلنا نشكك في مصداقية طرفي التفاوض ونتخوف من تماديهما في هذا النهج المتصلب الذي سيأثر سلبا على السياسة التعاقدية وعلى السلم الإجتماعية التي يتظاهران بالمحافظة عليها.

إن تعثر المفاوضات الإجتماعية وفوات الأجل المحدد لإنهائها –جوان 2008- نتيجة تصلب ممثلي الأعراف وتشبث قيادة الإتحاد بتضمين بعض الإجراءات الترتيبية في العقود المشتركة قبل نقاش الجانب المالي العنصر المهيمن على عقول الشغالين والذي من أجله وجدت هذه المفاوضات الدورية, يجعلنا نتساءل عن الأسباب الحقيقية التي جعلت قيادة الاتحاد تغير أسلوب تعاطيها مع الأطراف الأخرى، هذا الأسلوب الذي عهدناه منذ ما لا يقل عن العشرين سنة مرنا إلى حد التخاذل بتعلة الحفاظ على السلم الاجتماعية الشماعة التي كانت ولا تزال تعلق عليها كل إخفاقاتها وتجاوزاتها وتفريطها في عديد المطالب ومن بينها ما تتشبث به اليوم تحت لافتة الإجراءات الترتيبية المضمّنة بالاتفاقية الإطارية الأخيرة والمضمونة حسب اعتقادنا - على الأقل في شكلها العام - في قوانين البلاد والتي يمكن التفاوض بشأنها بعد تحقيق الزيادة. (الفصل 4/6 يضمن الترسيم بعد أربع سنوات – العطل الخاصة بالتكوين مقننة ولا تعني إلاعداد قليلا من الشغالين وتستعمل لشراء الذمم- حماية المسؤول النقابي مضمونة، أنظر الإتفاقيات التي أمضتها الحكومة أخيرا، اتفاقية عــدد 87 و 89 و 135- الحق النقابي مضمون دستوريا...)

كل هذه المطالب مضمونة كما سبق ذكره قانونيا ولا تستدعي نصوصا جديدة –ستبقى كما جرت العادة حبرا على ورق- بل تتطلب توعية الشغّالين وتجنيدهم للنّضال من أجل فرض تطبيق النصوص الموجودة وإن اقتضى الأمر تنقيحها لاحقا وهي في اعتقادنا المهمّة الأساسية التي تخلّت عنها هذه القيادة حتى يخلو لها المجال للتصرف دون رقيب ولا حسيب وتضمن بذلك بقاءها ودوامها وهو ما توفّر لها منذ مؤتمر سوسة نتيجة هذا السلوك البيروقراطي الذي أضر بالعمّال والمنظمة الشغيلة وبالبلاد.

إن كل من تابع ويتابع حركات وسكنات هذه القيادة ويعرف طبيعتها وكيفية وصولها إلى الصفوف
الأمامية واطلع على سلوكها مع الأطراف الاجتماعية قبل مؤتمر جربة وبعده (المفاوضات الاجتماعية الفائتة ونتائجها ونعتها بزيادة الحاكم احتقارا لدور الكنبارس الذي لعبته هذه القيادة يغني عن كل تعليق) له الحق أن يتساءل عن الأسباب الخفية التي جعلتها تحيد عن أسلوبها المعهود في التعاطي مع المستجدات وتتنكّر لمن كان سببا في تواجدها ودوامها خاصة ونحن نعلم أن القواعد مغيّبة من زمان ولم يقع استشارتها في أي موضوع من المواضيع التي طرحت قبل وبعد مؤتمر المنستير ومن لا يزال في طور التساؤل والتثبت يمكنه الرجوع إلى المواقف الفوقيّة التي تبنّتها كي يتأكد من عشوائية اختيارات ومواقف هذه القيادة البرقراطية. وعلى سبيل الذكر لا الحصر نسوق البعض من هذه
المواقف:

- رفض التواجد في مجلس المستشارين - بعد المطالبة بإحداثه والتفاوض في قانونه الأساسي الذي لم ترفضه في الوقت المناسب- بتعلّة التمسك باستقلاليّة اختيار نواب المنظمة يجعلنا نشك في نزاهة هذه القيادة ونشكك في مصداقيتها خاصّة إذا علمنا أن أغلب الشغالين يرفضون سيا سة المقعد الشاغر التي أثبتت التجارب فشلها ويفضلون في كل الحالات المشاركة على الجلوس على الربوة ويعتبرون تعيين الأخ محمد شندول في هذا المجلس بصفته شخصية نقابيّة وطنيّة إشارة لمن يريد أن يتعظ، واللبيب من الإشارة يفهم.

- رفض تبني المطالب الاجتماعية المشروعة لأبناء ونقابيي الحوض المنجمي والتخلّي عنهم والوقوف إلى جانب المسؤول النقابي الجهوي صاحب شركة المناولة الذي كان من أسباب اندلاع الأزمة وتطورها. هذا الموقف المنافي للأخلاق النقابية جعل الأمور تتعفن حتى وصلت إلى ما يعلمه الجميع. واليوم وبعد تدخّل رئيس الجمهورية لوضع حد لهذه الأزمة نراهم يركضون للتكفير عن ذنوبهم باستعمال أموال الشغالين لشراء الذمم ومحاولة تلميع صورتهم وهنا يصح القول: فإن لم تستح فافعل ما شئت. ويصح كذلك القول: يقتله ويمشي في جنازته.

وفي هذا الصدد نناشد السلط المعنية بإيقاف المحاكمات الجارية في الحوض المنجمي، والعمل على حل المشاكل المطروحة حلا جذريا حتى لا تتكرر مثل هذه الأوضاع ونقطع الطريق أمام كل الانتهازيين.
مواصلة التشبث بالأمور الترتيبية على حساب الأمور الماديّة رغم اقتناع أغلب الشغالين بانتهازية هذا التمشي وعدم جدواه. كل النقابيين يعرفون أن الإجراءات الترتيبية هي في الأساس وليدة التطورات الاجتماعية والاقتصاديّة وحتى السياسيّة لذا لا يمكن ولا يعقل ربط التفاوض في شأنها بوقت محدد ودورية معيّنة ومضبوطة بل وجب ترك المجال مفتوحا لتناولها بتأن وكلما دعت الحاجة إلى ذلك حتى لا نكرر أخطاء الماضي القريب.

إن كل ما سبق ذكره في خصوص مواقف قيادة الإتحاد من القضايا المطروحة والتي لم تجد بعد طريقها إلى الحل (الزيادات – مجلس المستشارين – قضية الحوض المنجمي والنقابيين المسجونين...) وحيرة العمال والنقابيين وتساؤلاتهم حول تلكؤ هذه القيادة وتماديها في نهجها الخاطئ تجعلاننا نقتنع أكثر من أي وقت مضى بضبابية مواقف هذه القيادة وانتهازيتها في رسم الأولويات ويفرض علينا تنبيه المعنيين إلى مغبّة المواصلة في نهج الرفض للرّفض لأن المنظمة ليست في حاجة إلى أزمة جديدة والبلاد على أبواب استحقاقات سياسيّة واقتصاديّة تتطلّب حماية السلم الاجتماعيّة وتدعيمها بعيدا عن الصراعات المفتعلة لغاية استعراض العضلات للظهور بمظهر المفاوض العنيد والطرف النقابي الممثل الأوحد والوحيد في حين أن الواقع يفنّد ذلك والأدلّة على انخرام الأوضاع داخل المنظمة واضحة وانعدام الثقة بين العمال والبيرقراطيّة النقابيّة جليّة وما تدخّل الرئيس وإقراره لتسبقة على الزيادات الآتية وتعيينه للأخ محمد شندول بمجلس المستشارين إلا دليل إضافي على إفلاس هذه القيادة المترهلة. وكما يقول المثل: 'حتى يموتوا كبار الحومة'.

لقد مل النقابيون والعمّال من تصرّفات هذه القيادة البيرقراطيّة التي تتجاهل مواقفهم واقتناعاتهم وتتصرّف من تلقاء نفسها متناسية التزاماتها تجاههم وتجاه البلاد متمادية في نهجها الخاطئ المعاكس لخيارات الشغالين همّها الوحيد المحافظة على موقعها حتى لا ينكشف المستور (انظر ما صدر بالصريح بتاريخ 07/10/2008 تحت عنوان أسرار نقابية في خصوص الفساد المالي).

وفي الختام نقول للمركزيّة البيروقراطيّة كفانا ارتجالا ومغالطات وخطابا مزدوجا. حبل الكذب قصير والحيلة في ترك الحيل. مطالب الشغالين واضحة جليّة، زيادة تغطي العجز الحاصل في المقدرة الشرائيّة، ضمان الشغل لطالبيه وصيانة كرامة العمّال وكفانا صراعات لا طائل من ورائها.

عاشت تونس
عاشت الحركة النقابيّة

تونس، في 5 أكتوبر 2008

محمد الهادي التواتي
عضو المكتب التنفيذي سابقا

ليست هناك تعليقات: