الجمعة، 31 أكتوبر 2008

راي حر - النقابي جيلاني الهمامي



ما يجري في الاتحاد الجهوي بتونس

ليس في صالح أحد

تعيش الساحة النقابية في جهة تونس هذه الأيام على وقع التطورات الأخيرة التي عاشتها تشكيلة المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي بتونس العاصمة. فقد تناقلت بطحاء محمد على، وربما شاع الخبر لما أوسع من ذلك بكثير، أخبار الخلافات داخل هذه التشكيلة والتي لم يعد يفصلنا عن مؤتمرها الدوري القادم سوى بضعة أشهر. وقد تشابكت المسائل والقضايا المثارة كأسباب للخلاف والتصدع بدرجة لم يعد من اليسير فهم حقيقة المشكل وخلفياته ومراميه.

وانتهى " التصحيح النقابي "

تعتبر الأغلبية المطلقة من التشكيلة الحالية للمكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي بتونس جديدة نسبيا إذ أن 3 منها فقط كانوا عملوا مع الكاتب العام الأسبق السيد علي الطرابلسي الذي مسك بالاتحاد الجهوي طيلة فترة السحباني وهم توفيق التواتي الكاتب العام الحالي والعضوان خميس صقر ومحمد علي خذر، أما البقية فقد جاءوا في المؤتمر الذي تلا رحيل علي الطرابلسي وتعتبر الأخت روضة الحمروني أجدّهم إذ انتخبت ضمن التشكيلة الحالية في مؤتمر أميلكار سنة 2004 بدلا عن النقابي المعروف الصادق مرجان. فهذه التشكيلة كما يعرف كل النقابيين متألفة من وجوه شابة ساهمت على مستوى الجهة بدور مهم في ما أسمي بالتصحيح النقابي وأعطت للفريق القيادي الذي أخذ المشعل على السحباني نسبة من المصداقية ساهمت في تشجيع وجر الكثير من النقابيين المستاءين والغاضبين آنذاك إلى الانخراط بشكل أو بآخر في العمل مع وحول " المصححين ". ولا أحد ينكر ما أعطته عملية تنحية علي الطرابلسي من الكتابة العامة بعد التحوير الذي طرأ على تركيبة المكتب التنفيذي الجهوي من دفع لعملية التصحيح. بل ويذهب الكثير من النقابيين إلى القول أنها كانت الضربة التي عجلت برحيل السحباني ودفعته إلى رمي المنديل.

وعلاوة على ذلك تتميز هذه التشكيلة الشابة بعدة ميزات جعلت العديد من الناس يعتقدون أن الاتحاد قد تشبب فعلا بشريا وكذلك من حيث الذهنية العامة وأساليب العمل. فهذه التشكيلة التي جمعت القدامى ذوي الخبرة بالجدد المتحمسين مثل السيد راضي بن حسين ونور الدين الطبوبي ولطفي اللطيفي ومحمود عاشور بدا وأنها من التشكيلات القادرة على تحفيز طائفة متنوعة من نقابيي الجهة من مختلف الحساسيات والانتماءات والمستقلين على حد السواء ، أنصار القيادة التقليدية وكذلك الذين يعارضونها أو حتى يبدون تجاهها بعض التحفظات. وفوق كل ذلك بدت هذه التشكيلة وأنها متناغمة مع الماسكين بجهاز الاتحاد وهي في نفس الوقت منفتحة على كل من رأى في التصحيح منفذا للعودة للجهاز بعد سنوات من الإقصاء. ومن ذلك، فبقدر ما كان الاتحاد الجهوي للشغل بتونس معروفا بنوع من الولاء لفريق التصحيح بقيادة الأمين العام الأخ عبد السلام جراد بقدر ما كان يعتبر متعاطفا وسندا وربما أيضا حليفا لفريق المعارضة آنذاك ( جماعة الأرضية التي ضمت الأخ علي رمضان وعبد النور المداحي وغيرهم ).

ففي كلمة كانت تشكيلة المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي بتونس الفريق الذي استطاع تجميع تصورات وأطياف نقابية ورؤى مختلفة وأحيانا متناقضة كان كل طيف أو رؤية أو تصور يرى فيها جانبا من مصلحته وقسطا من حظوظه المستقبلية.

لقد كانت هذه الميزة وراء الكثير من النجاحات التي حققتها تشكيلة المكتب التنفيذي لجهة تونس خاصة وأنها نوعت من أنشطتها وأزاحت وإلى حد كبير الكثير من الحواجز القائمة في أجواء التواصل بين ومع النقابيين في الجهة والتشكيلات التابعة لها وحدّت مما كان يبعث على الشعور بالإحباط في ظل أجواء المركزة والبقرطة ونسجت خيوط تعاون مع عدة قطاعات وجهات ومع أوساط غير نقابية صديقة للاتحاد من مثقفين ومحامين وصحفيين. ولأن هذه التشكيلة كانت تعمل في شيء من الصمت لم تجلب لنفسها الانتباه ولم تثر لدى المحيطين بها احترازات أو عداوة عدا بعض التوترات مع من كانوا يرون في هذه التشكيلة مزاحما جديا لهم على الفوز بمكانة النجومية خاصة في فترات السباق نحو المواقع القيادية قبيل وأثناء المؤتمرات الوطنية للمركزية.

ولكن وكما هو معروف لكل نجاح ثمن. ويبدو أن الثمن سيكون هذه المرة أغلى بكثير مما يناسب حجم النجاحات النسبية التي يعددها المكتب التنفيذي الجهوي بتونس في رصيده. ويبدو أن الثمن الذي بات على الاتحاد الجهوي بتونس دفعه هو تفكيك تشكيلته وإنهاء تجربتها بصورة مبكرة قبل أن تبلغ أجل مؤتمرها الدوري القادم لأنه، وعلى ما يبدو، لم يعد مرغوبا فيها من قبل القيادة النقابية ولنقلها بأكثر صراحة، من قبل الأخ الأمين العام الذي حسب ما تذكره الأخبار المتوفرة الآن قد ضاق ضرعا منها وبات يستعجل الإجهاز عليها.

الأسباب المعلنة والأسباب الحقيقة

ما شاع من أخبار حول أسباب التصدع الحالي داخل المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي للشغل بتونس العاصمة تمحور في البداية حول خلاف في الرؤى وهو أمر مرغوب في حد ذاته. ولكن حول ماذا؟ حول تظاهرة كان الاتحاد الجهوي نظمها خلال شهر رمضان حول المقاومة بطلب من مجموعة من النقابيين يعتبرهم أحد أعضائه " خوانجية " أو احتياطيا للظلاميين. ويذهب إلى القول أن هذه التظاهرة هي القطرة التي أفاضت الكأس لأنه بمجرد موافقة الكاتب العام على القيام بها دون استشارة بقية الأعضاء – وهو ما يفنده زملاؤه – قد تجاوز الخطوط الحمر والحد الأدنى الذي يمكن على قاعدته فقط مواصلة العمل داخل الاتحاد الجهوي. وعليه بما أن الكاتب العام قد تجاوز هذه الخطوط وأخل بهذا الاتفاق الأدنى فإنه ما عاد من الممكن الاستمرار في العمل والتعامل معه وبذلك بات المبرر لتصدع تشكيلة الاتحاد الجهوي مبررا موضوعيا.

وبصرف النظر عما إذا كان الكاتب العام استشار أعضاده حول هذه التظاهرة أم لا فإن طرح مسألة الخلاف في حد ذاته بهذه الكيفية ومن منطلقات أيديولوجية يعد تعسفا على معنى ووظيفة ومفهوم المنظمة النقابية وينم على خلط فكري وسياسي بين النقابة كإطار للنضال المهني والحزب السياسي.

ولكي لا نخوض كثيرا في هذه المسألة لأن المجال لا يسمح بذلك، فإن الحوار حول هذه المسألة باء على ما يبدو بالفشل بين أعضاء التشكيلة طرفي الخلاف وسرعان ما تم التخلي عن هذا المبرر وبرزت محله فكرة ضرورة إجراء تحوير في المسؤوليات وتنحية الكاتب العام الحالي وتعويضه بزميله طرف الخلاف معه، وشنت على هذا الأساس حملة للتبشير بهذا المخرج نشطتها وجوه نقابية كانت تربطها بالاتحاد الجهوي وبالكاتب العام شخصيا صلات ود وصداقة وعلاقات تبادل خدمات.

لكن هذه الحملة سرعان ما استبدلت هي الأخرى بسبب جديد هو " الملف المالي " ويبدو أن الأمور ستستقر عند هذه الوسيلة ربما لما تمثله من حساسية عند النقابيين وربما أيضا لوضع الكاتب العام في موقف دفاعي لا يحسد عليه من منطلق الإيغال في التشفي منه. وهو أمر ليس بالجديد فكل الذين أزيحوا من المنظمة عادة ما أستعمل ضدهم هذا السلاح الفتاك الذي لم يسلم منه لا كبير ولا صغير في مراتب المسؤوليات ولا من أحسن ولا من أساء التصرف كلما عنّ للجهاز تصفيته.

وللحقيقة أستغرب شخصيا مثل هذه السهولة في استعمال سلاح الملف المالي ضد الاتحاد الجهوي بتونس بالذات والحال أن عدة ملفات مشابهة مدعمة بالقرائن والأدلة المادية والمحاسبية ظلت في رفوف مكاتب القيادة النقابية وغض عليها الطرف رغم كل الضغوط التي مورست من أجل أن تلقى طريقها للتدقيق ولاتخاذ القرار المناسب في شأنها. وما يمكن قوله على العموم في هذه القضية بالذات هو أنه إذا كان هناك نقطة ضعف تشتكي منها المنظمة النقابية فهي مسألة التصرف المالي إلى جانب مسألة الديمقراطية الداخلية وعموم منهج التسيير المالي والإداري والنقابي والبشري بدرجة وأنه يجوز القول أن ليس هناك أحد تقريبا بمقدوره الإفلات من التصفية إذا ما استعمل ضده هذا الملف.

لكن من يحرك هذا الملف؟ هل هو مجرد حرص بريء على سلامة التصرف في أموال الشغالين؟ أم أن هناك أسباب أخرى؟

هناك قولة فرنسية تقول " قل أشياء خاطئة لتعرف الحقيقة " (savoir le vrai prêcher le faux pour ) وجرت العادة في الاتحاد أن تقال وتروج دعايات حول الـ"ملف مالي " أو "تجاوز القانون" أو " قضية أخلاقية" كلما كان يراد تصفية أحد النقابيين لأسباب نقابية وهي عادة قديمة اكتوى بنارها الكثير والكثير من النقابيين بما في ذلك الأخ الأمين العام الحالي الذي ألصقت به تهم " أخلاقية " خلال أزمة سنة 1985 وأزيح بها الكاتب العام الأسبق للاتحاد الجهوي بجندوبة الفقيد محسن بن هندة وبـ"ملف مالي " أجبر الأمين العام السابق اسماعيل السحباني على الاستقالة ثم حوكم من اجله وكان قد جرى فتح هذا الملف هكذا بغتة وعلى سبيل "الاكتشاف" المفاجئ.

فالملف المالي عامة ما كان قضية حق يراد بها باطل. وفي قضية الحال يستعمل نفس السلاح لتصفية حسابات لا تتعلق بالمالية بأي وجه من الوجوه وكل ما في الأمر أن بعض من القيادة لهم مآخذ على الاتحاد الجهوي يتونس تتعلق بمواقفه من جملة من القضايا النقابية البحتة. فخلفية الحملة ضد الاتحاد الجهوي هي في واقع الأمر خلافات في وجهات النظر والمواقف من مسألة " الدورتين " ومن المؤتمر الوطني الماضي ( المنستير ) ومن كل ما يتعلق بمسألة التسيير الداخلي للمنظمة النقابية.

فمواقف الاتحاد الجهوي التي لا تروق لبعض أعضاء القيادة والتي أصبحت مثار غضب وحنق من قبل الأخ الأمين العام وبعض أعضاده هي السبب الحقيقي في افتعال هذه الأزمة. وتفيد الأخبار التي تتناقلها الساحة أن الأمين العام لم يعد يخفي غضبه من السيد توفيق التواتي لأنه على حد تعبيره لم يقف إلى جانبه في أي محطة من المحطات النقابية الهامة طوال السنتين الماضيتين, منذ مؤتمر المنستير إلى الآن.

ومن هذا المنطلق فإنه من المنطقي بمعنى من المعاني أن لا يغفر الأمين العام للاتحاد الجهوي بتونس موقفه المناوئ له من مسألة " الدورتين " كما لا يمكن أن يغفر للكاتب العام السيد توفيق التواتي ترشحه وتزعمه لقائمة في مؤتمر المنستير الأخير يعتبرها الأمين العام معارضة له كما لا يمكن أن ينس له مواقفه مما حصل في بنزرت ونابل وتفاصيل أخرى كثيرة. ففي كلمة أصبح الأمين العام وبعض من أعضاده يعتبر الكاتب العام للاتحاد الجهوي بتونس خطرا على توجهاتهم أو - على الأقل - حجرة عثرة في طريقهم حان الوقت للتخلص منها على جناح السرعة وكيفما اتفق.

فالصراع يدور إذن – وبصورة خفية – حول هذه الأوضاع ويتعلق رأسا باختيارات الاتحاد المستقبلية وبموازين القوى داخله وبالأهداف المرسومة على المدى المتوسط والبعيد في علاقة ببعض المحطات الهامة التي سيكون لها الكلمة الفصل بخصوص المواقع القيادية في المنظمة وما وراء هذه المواقع من مصالح وامتيازات.

ومن هنا نفهم حقيقة هذا الحنق والإصرار على افتعال أزمة بمبررات ملفقة وبصورة مستعجلة في ظرف كان من الأجدر تسبيق قضايا أخرى أهم وألح بالنسبة للمنظمة وللنقابيين ولعموم الشغالين مثل مسألة المفاوضات الاجتماعية.

أزمة ليست في مصلحة أحد

إن مجمل التحولات الجارية في بلادنا على المستوى الاقتصادي والسياسي وانعكاساتها الاجتماعية على عالم الشغل والشغالين باتت تستوجب من المنظمة الشغيلة في بلادنا إعادة النظر في أوجه عديدة من رؤية الاتحاد لدوره وطرق تنظيمه وأساليب عمله لمواجهة التحديات المنجرة عنها والمرشحة لمزيد التفاقم. ومؤسف حقا أن نرى الاتحاد ما يزال مصرا إلى اليوم على مواصلة العمل بنفس الرؤى والطرق وبنفس أساليب العمل منذ الستينات إلى الآن. فلا يذهب في ظن الإخوة في القيادة أن خطابهم – في الندوات وعلى صفحات جريدة الشعب – حول التجديد والتحديث النقابي وما إلى ذلك قد أحدث فعلا التغييرات المرجوة أو أن النقابيين والعمال يصدقون مثل هذا الخطاب. لقد رفع السحباني منذ بداية التسعينات شعار تحديث مفاهيم النضال النقابي، ويذكر الجميع ندوة " المنزه " في هذا الغرض ولكننا نعلم جميعا ما آلت إليه أوضاع الاتحاد في نهاية العشرية الماضية وإلا بأي موجب قامت حركة التصحيح النقابي آنذاك؟

وأعتقد، لا من باب التجني ولا بمنطق " خالف تعرف "، أن حركة التصحيح لم تجر أي تغيير على واقع الاتحاد ولم تكن لديها الطاقة الكافية لتجسيم الشعارات التي رفعتها ( إعادة هيكلة الاتحاد، مراجعة أساليب التصرف المالي باتجاه الشفافية، دعم الديمقراطية الداخلية، مراجعة أساليب العمل لتطوير الانتساب النقابي، دعم الاستقلالية وتحسين صورة المنظمة لدى القواعد وتمتين الروابط مع المجتمع المدني ....) بل ونشهد منذ مدة وخاصة بعد مؤتمر المنستير نكوصا على تلك الشعارات بل والعودة لأساليب عمل شبيهة وأحيانا أسوأ مما كان يمارس في عهد السحباني. وخير مثال على ذلك الأزمة المفتعلة ضد الاتحاد الجهوي بتونس الآن.

فلو كان الأمر يتعلق حقا وحصريا بسوء تصرف مالي لكان كل النقابيين مع الأخ الأمين العام في هذا الملف ولساندوه ودون تحفظ حتى في قرار حل الاتحاد الجهوي بتونس ومحاسبة مقترفي سوء التصرف. ولكن أن يكون الملف المالي هو العكاز الذي يتكئ عليه بعض من القيادة لتصفية حسابات نقابية بحتة ولقضاء مآرب أخرى فهو ما لا يمكن لأي نقابي نزيه قبوله ومساندته.

ولو افترضنا جدلا أن الاتحاد الجهوي بتونس والكاتب العام تحديدا قد اقترف هذا الجرم فعلا لما كان هناك من يمانع في ضرورة اتخاذ كل ما يلزم ضده ولكن في ذات الوقت لا ينبغي أن يقع انتقاء جهة تونس لاستخدام سلاح " الملف المالي " ضدها والحال أن أوضاعا مشابهة وأخطر يٌتعامل معها بكل تسامح لاعتبارات نقابية فحسب. فالكيل بمكيالين ينزع أية مصداقية عن الأسباب المقدمة لتمرير أزمة الاتحاد الجهوي بتونس.

وعلى العموم إذا كان الأخ الأمين العام حريصا فعلا على فرض حسن التصرف في موارد الاتحاد فلما لا يقع سن نظام تسيير مالي شفاف وخاضع لنظم ومعايير التصرف المالي السليم؟ لما لا يستعان بمراقبي حسابات مهنيين (commissaires aux comptes ) مستقلين وفي منأى عن تأثير " الماكينة "؟ ولما لا يخضع التصرف المالي في الاتحاد لرقابة هيئات الرقابة العمومية مثل الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية مثل ما هو معمول به في المؤسسات العمومية التي تخضع لدورات تفقد دورية والتي كثيرا ما يقع اكتشاف إخلالات وأخطاء في تصرفها المالي رغم أنها تعمل وفق معايير مجلة المحاسبة العمومية ومجلة الصفقات العمومية وغيرها من القوانين ورغم أنها تستعين بمراقبي حسابات ومصالح تدقيق داخلي وخارجي؟

إن الاعتماد على نظام التصرف الحالي في الاتحاد وعلى لجنة المراقبة المالية التي، بصرف النظر عن نزاهة أعضائها وعن أهمية الدور الذي تضطلع به، لا يتوفر على الحد الأدنى من الضوابط المانعة لسوء التصرف ولا يخول للجنة المراقبة المالية التي لا تتمتع بالحيادية الكافية والتي غالبا ما يقع استخدامها في ملفات تصفية الحسابات، لعب دورها كهيئة تدقيق وكآلية لكشف النواقص وكسلطة لردع التجاوزات. وحسب الأخبار المتوفرة بخصوص ملف جهة تونس الحالي ثبت بما لا مجال للشك فيه عدم حيادية بعض أعضاء لجنة المراقبة المالية الذين ينتصبون في ذات الوقت حكما وطرفا في المشكل بما ينزع عن أعمالها وقراراتها أية مصداقية. ولا يسمح المجال هنا في الواقع بسرد قائمة المآخذ التي يمكن تعدادها في شأن ماهية ودور وصلاحيات هذه الهيئة التي لا يمكن لها وحدها بأي حال من الأحوال ضمان نظام تسيير مالي شفاف في منظمة تفوق ميزانيتها ومقدراتها المالية ( أصول وخزينة وغيرها ) ميزانية ومقدرات عديد المؤسسات العمومية والخاصة.

وأخيرا أود أن أسوق كلمة صادقة للأخ الأمين العام الذي أكن له كل الاحترام، بالقول أن مكانة المسؤول الأول عن منظمة في حجم الاتحاد العام التونسي للشغل، تضعه أمام مسؤولية تاريخية إذ لو أصر على حسم هذا الملف، ملف جهة تونس، بالطريقة العشوائية المتبعة الآن غير مكترث بما قد ينجم عنه من تصدعات في الصف النقابي في الظرف الذي هو في أشد الحاجة لتوحيد كلمته وترتيب شؤون بيته الداخلي لمواجهة مصاعب الوضع وتعقيداته، ستكون أكبر خطيئة يقترفها في حق المنظمة وستقترن مسؤولية هذه الخطيئة بشخصه على مدى التاريخ.

إن ما يجري في الاتحاد الجهوي بتونس الآن ليس في صالح أحد.

جيلاني الهمامي

الكاتب العام السابق لجامعة البريد

ليست هناك تعليقات: