الجمعة، 13 فبراير 2009

مقال من جريدة الموقف عن ازمة الجامعيين مع الاتحاد

الزيادات الخصوصية في قطاع التعليم العالي بين مطرقة المركزية النقابية وسندان وزارة الإشراف

تونس – الموقف - 13 فيفري 2009

بقلم : إبراهيم العثماني *

فاجأت قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل الهياكل النقابية بقطاع التعليم العالي وأساتذته بالإمضاء على الزيادات الخصوصية التي أقرّتها الحكومة من جانب واحد ورفضها الجامعيون جملة وتفصيلا (انظر الخبر الذي أوردته جريدة "الشروق" بتاريخ 25 – 01 – 2009 ص 19 ). وقد تصرّف المكتب التنفيذي دون إعلام الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي أو أخذ رأيها رغم أنه يعرف جيدا موقف القطاع من هذه الزيادات. لذلك أثار هذا الموقف الغريب دهشة الجميع وطرح،مرّة أخرى، أكثر من سؤال حول طبيعة علاقة المكتب التنفيذي بهياكل الاتحاد ومدى احترامه لمقرراتها وتبني مطالبها والدفاع عنها ،كما طرح هذا السلوك موقع الديمقراطية النقابية في هذه المنظمة.ولكن قبل النظر في هذه النقاط يجدر بنا أن نذكّر بهذه المطالب.

1- المطالب الخصوصية: ما هي ؟ ولماذا؟

لا يزال أساتذة التعليم العالي وهياكلهم النقابية مقتنعين بأن اتفاقية 14 – 12 - 1999 التي مرّ على إمضائها عقد من الزمن والتي ربطت الزيادة في المنح بالزيادة في ساعات العمل لم تُنصف المدرّسين الجامعيين ولم تكن مجزية ولم تلبّ الحدّ الأدنى من مطالبهم بل إنّهم ظلّوا يؤكدون بمناسبة وبدون مناسبة أنها زادتهم متاعب و مشاق ودفعتهم إلى طرح مطالب جديدة و التجند لتحقيق مكاسب أخرى لعلّها تخفف من أعباء العمل المضني التي ضاعفها نظام "إمد" .لذلك بلورت الهياكل النقابية في اجتماعاتها القاعدية وأيامها الدراسية ومجالسها القطاعية جملة من المطالب الخصوصية تستجيب ،ولو نسبيا،للتحولات التي تعرفها الجامعة منذ سنوات ولمتطلبات الإصلاحات المتتالية وانعكاساتها المادية التي مافتئت ترهق ميزانية الأساتذة، وللمستجدات المترتبة على منظومة "إمد" . وقد تمثلت هذه المطالب في إحداث منحة تكاليف بيداغوجية لسلك المدرسين الباحثين و الترفيع فيها لسلك المبرزين وسلك التكنولوجيين،وإحداث منحة تأطير بحوث الماجستير والدكتوراه، ومضاعفة منحة الإنتاج، ومضاعفة المنحة الكيلومترية، ومراجعة أجرة الساعات الإضافية...إلخ.

وقد وجهت الجامعة العامة للتعليم العالي إلى وزارة الإشراف هذه المطالب في شكل " مذكرة توضيحية حول المطالب الرئيسية العاجلة للجامعيين" يوم 7 ديسمبر2006 وظلت تنتظر الرد عليها وتطالب بفتح تفاوض جدي بشأنها باعتبارها مطالب مستقلة عن التفاوض العام الذي يقع كل ثلاث سنوات وبوصفها مطالب ملحة لا تنتظر التأجيل والتسويف.فماذا قدمت وزارة الإشراف ؟

2- مقترحات وزارة الإشراف وردود الفعل:

تمخّضت المفاوضات الاجتماعية بين الاتحاد والحكومة بعد عسر وتعطل، وأخذ ورد، وتمديد في الوقت وتمطيط في الآجال عن زيادات خصوصية هزيلة جدا بل مهينة لبعض الأصناف ( 35 دينارا على ثلاث سنوات بالنسبة إلى المساعدين و80 دينارا بالنسبة إلى الأساتذة المساعدين) أبرزت البون الشاسع بين ما قدمته الجامعة العامة للتعليم العالي وما اقترحته وزارة الإشراف.وقد قوبلت هذه الزيادة بالسخرية والتهكم والاستهجان والتندر حينا والرفض القطعي حينا آخر،وانعقدت اجتماعات عامة في المؤسسات الجامعية أجمع فيها الأساتذة على رفض هذه الزيادات التي لا تضيف شيئا ولا تغير وضعا مهترئا أصلا. وتُوّجت هذه الاجتماعات بانعقاد المجلس القطاعي يوم 29 – 11- 2008 بإشراف الأخ حسين العباسي الأمين العام المساعد المسؤول عن التشريع والنزاعات.وبعد تقليب الموضوع من جميع جوانبه وتقويم قيمة هذه الزيادة والاقتناع بهزالها صدرت عن هذا المجلس لائحة عامة تضمنت جملة من النقاط من بينها النقطتان 5 و6 ومما جاء فيهما :

- نرفض مقترح الوزارة المتعلق بالزيادات الخصوصية باعتباره لا يعكس بأي شكل ما يبذله الجامعيون من مجهود إضافي في إطار منظومة "إمد" تدريسا وتقييما وتأطيرا ونؤكد تمسكنا بمطالبنا الواردة بالمذكرة الموجهة للوزارة في الغرض.

- نرفض مقترح الوزارة بتعميق الفوارق بين الرتب وتنكرها لحق المساعدين في زيادة مجزية ...

موقف القطاع من هذه الزيادات واضح إذن ودعم المكتب التنفيذي لهذا الموقف أوضح والدليل على ذلك إمضاء حسين العباسي على اللائحة العامة الصادرة عن المجلس القطاعي،وهو إمضاء يعني مساندة المكتب التنفيذي أعضاء المجلس القطاعي ومن ورائهم قطاع التعليم العالي في رفضهم المقترح الذي تقدمت به الوزارة واقتناعه بوجاهة مطالبهم وسداد رأيهم، ويعني أيضا تبني الأشكال النضالية التي قد يرتئيها القطاع خاصة وقد نصص النواب على ذلك بصريح العبارة في النقطتين 9 و10 :

- نوصي الجامعة العامة بتفعيل التنسيق مع بقية القطاعات المعنية بالزيادات الخصوصية من أجل خوض نضالات مشتركة.

- نعلن عن استعدادنا لخوض تحركات نضالية تصاعدية في صورة مواصلة سلطة الإشراف الاستخفاف بالمطالب المادية المستحقة للجامعيين.

فماذا طرأ حتى ينقلب المكتب التنفيذي على نفسه ويغير موقفه دون أن يحقق أي شيء؟.غريب أمر هذا المكتب وعجيب موقفه المتقلب من المسألة الواحدة وفي ظرف وجيز؟. فما كان مرفوضا بالأمس من قبل الجامعيين استحال اليوم مقبولا من قبل قيادة الاتحاد، وما كان يسمّى زيادات هزيلة زال هزاله قبل أن يُصرف. أمّا المضامين المتعلقة بالشجب والاستعداد للنضال والتي أمضى عليها حسين العباسي فقد تنصّل منها الأمين العام للاتحاد وألغاها قبل أن يتحرّك الأساتذة.والأغرب من كلّ ذلك هو أن تقليص الفوارق بين الرتب والذي نادى به الأساتذة قد تكفل به الأمين العام. فأضاف 15 دينارا إلى المساعدين من المقدار المقدم إلى الأساتذة المساعدين فأصبحت الزيادة على النحو التالي:مساعد35 +15 :50 دينارا، أستاذ مساعد:80 -15 :65 . وهكذا أضحت مساعدة المكتب التنفيذي الهياكل النقابية تعويضا لها وتجاوزا لصلاحياتها واستخفافا بدورها وتنكّرا لنضالاتها ومن ثم تتجلى المركزية المشطّة المخلّة بأبسط قواعد الديمقراطية النقابية ويبرز التفرّد بالقرار وتهميش القطاعات المناضلة وتكريس البيروقراطية المقيتة، و يتضح تسلط قيادة الاتحاد على الهياكل مهما كان موقعها وحجمها و دون احترام استقلاليتها وتمثيليتها.

إن سلوك المكتب التنفيذي لا يسوّغه النظام الداخلي للاتحاد ولا تبرّره ضوابط العمل النقابي ولا يُجوّزه أي ضرب من ضروب الاجتهاد وليس لهذا التجاوز أي سند.فدور المكتب التنفيذي هو"تنشيط الهياكل النقابية الوطنية و الجهوية ومساعدتها على فضّ مشاكلها وأداء مهامها"( الفصل العاشر من النظام الداخلي)،وضوابط العمل النقابي تقتضي احترام قرارات الهياكل ومساعدتها على تنفيذها وشدّ أزرها أثناء لحظات التفاوض العسيرة وتذليل الصعوبات التي تحول دون تحقيق المطالب المشروعة،وكل اجتهاد يضرّ بمصالح القطاع هو اجتهاد مرفوض بل تحرّكه نية مبيتة.وفي الحقيقة إن قطاع التعليم العالي جدير بمجازاة أفضل. لذا هو مطالب بالدفاع عن نفسه.

3- ما العمل؟

إنّ الوضعية التي أوصلنا إليها المكتب التنفيذي تقتضي منا ردا حازما يتجاوز الشجب والتنديد وتدبيج البيانات وإمضاء العرائض.فالمطلوب من القطاع أساتذة وهياكل هو التكريس الفعلي لبنود اللائحة العامة للمجلس القطاعي المنعقد يوم 29 – 11 – 2008 وبرمجة تحركات مشتركة مع القطاعات المتضررة من سلوك المكتب التنفيذي واستخفاف وزارتي الصحة والتعليم العالي بمطالب منظوريهما.وبالتوازي مع هذه التحرّكات فإن قطاع التعليم العالي مطالب بتحمل مسؤوليته في الدفاع عن الديمقراطية النقابية التي تكرر انتهاكها بشكل متواتر خاصة منذ مؤتمر المنستير، وليس تجاوز المكتب التنفيذي لصلاحيات الجامعة العامة للتعليم العالي ونقابة الأطباء الجامعيين ونقابة أطباء الصحة العمومية إلا دليلا على تماديه في هذا النهج الخطير، وإن أشكال التنديد بهذا السلوك وإمكانات التصدي له كثيرة ومتنوعة.

إبراهيم العثماني

* نقابي من المعهد العالي للعلوم الإنسانية إبن شرف بتونس

المصدر : الموقف - 13 فيفري 2009

المصدر : إعادة نشر منتدى" الديمقراطية النقابية و السياسية "

ليست هناك تعليقات: