الأحد، 25 يناير 2009

راي حر النقابي الجامعي عبد السلام الككلي

بعد إمضاء الاتحاد على الاتفاقية الخاصة بالتعليم العالي
أي مستقبل غامض ينتظر الجامعيين ونقابتهم ؟

.

أمضي وفد من الاتحاد العام التونسي للشغل يوم الجمعة 23 جانفي 2009 على الاتفاقية المتعلقة بالزيادات الخصوصية لقطاع التعليم العالي بدون استشارة أو علم الجامعيين المعنيين الأوائل بهذه الزيادات وجاءت هذه الزيادات قريبة من مقترحات الوزارة ( أستاذ التعليم العالي 125دينارا، المحاضر 105، الأستاذ المساعد65 المساعد 50، الأستاذ المساعد التكنولوجي 65، التكنولوجي 50 وكلها مقسمة على ثلاث سنوات وخاضعة للاداء) وفي رد فعل أولي اعتبرت الجامعة العامة أنها غير معنية بهذا الاتفاق وإنها ترفض تصرف الاتحاد بمفرده في مصائر الجامعيين ودعته الى الموافقة على
انعقاد مجلس قطاعي عاجل يوم 31 جانفي
هذا وكان أعضاء المجلس القطاعي للجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي الملتئم يوم 29/11/2008 بدار الإتحاد بإشراف السيد حسين العباسي الأمين العام المساعد للإتحاد المكلف بالتشريع والنزاعات
قد رفضوا بالإجماع مقترح الوزارة المتعلّق بالزيادات الخصوصية باعتباره على حد تعبير المجلس لا يعكس بأي شكل من الأشكال ما يبذله الجامعيون من مجهود إضافي في إطار منظومة "إمد" تدريسا وتقييما وتأطيرا. وأكدوا تمسكهم بمطالبهم الواردة بالمذكرة الموجهة للوزارة في الغرض.
كما رفضوا مقترح الوزارة بتعميق نسب الفوارق بين الرتب وتنكرها لحقّ المساعدين في زيادة مجزية ولأهمية دورهم في الجامعة التونسية لا سيما في المؤسسات الداخلية.
كما نبهوا سلطة الإشراف إلى أن نجاح برامج الإصلاح رهين بمدى إنخراط الجامعيين فيها وأن الإستخفاف بالمطالب المادية والمعنوية للجامعيين من شأنه أن ينعكس سلبا على نجاح تلك البرامج.
مع العلم ان هذا الاتفاق يأتي على خلفية عديد جلسات العمل التي التأمت بين مسؤولين من وزارة التعليم العالي والجامعة العامة منذ شهر فيفري 2008
وقد شملت هذه المفاوضات جملة من القضايا والمطالب المادية التي كانت النقابة تقدمت بها إلى الوزارة قبل فترة.. ومن بين المسائل التي تم طرحها، موضوع إحداث منحة تكاليف بيداغوجية، والترفيع في منحة الإنتاج، بالإضافة إلى الترفيع في المنحة الكيلومترية ومراجعة طرق احتساب الساعات الإضافية وسعرها..
وقد كان الوفد النقابي سلم الوزارة ملفا مفصلا تضمن شرحا مدعما بالحجج القانونية والمسوغات الاقتصادية الضرورية التي تبرر مثل هذه المطالب،
وأوضح الكاتب العام للجامعة النقابية، حينها أن المسؤولين في وزارة الإشراف، أبدوا الكثير من التفهم لهذه المطالب، من دون أن يعلنوا موافقتهم أو رفضهم لها، لكنهم وعدوا بإحالة الملف إلى السلطات العليا لإبداء الرأي فيه لاحقا، على حدّ قوله..وقد تمسّك الطرف النقابي بضرورة تقديم الوزارة للردود على المطالب في اقرب الآجال وقبل انطلاق المفاوضات الاجتماعية..
وعلى الرغم من جهود الوفد النقابي للتعرف على موقف الوزارة بخصوص هذه المطالب، وتحديد موعد قبيل انطلاق المفاوضات الاجتماعية، والتوصل من ثمة إلى توقيع اتفاق مبدئي ثنائي ينهي التباينات الموجودة، ويغلق الملف المطلبي للجامعيين، فإن الوفد الوزاري تمسك بإحالة الملف إلى دوائر القرار
ولكن عوض الرجوع الى الممثلين للقطاع فقد ارتأت الحكومة أن تفاوض في ذلك المركزية النقابية و أن تعالج ملف الزيادات الخصوصية ضمن ملف الزيادات العامة واسفرت هذه المفاوضات عن تخصيص ظرف ب 50 مليون دينار لمجموعة من القطاعات كان نصيب التعليم العالي منها 11.3 مليون دينار بموجب الاتفاق الممضى يوم الحمعة الماضي
والحقيقة أن هذه المستجدات تثير فينا بعض الأسئلة والملاحظات التي تلخص بشكل ما ردود الفعل التي يمكن تسجيلها في الوسط الجامعي
1) إن التفاوض حول الزيادات الخصوصية بالصيغة التي عرضناها آنفا اتخذ منذ البداية شكلا غريبا كنا نبهنا إلى مخاطره في مقال لنا صادر في مارس 2008 إذ أن الاقتراحات المقدمة من قبل الهيكل النقابي لم تجد لها أي رد فعل لا ايجابي ولا سلبي لدى الطرف المقابل الذي اكتفى بالتسجيل وكأننا صرنا أمام حصص للاستماع لا للأخذ والعطاء
أن مناقشة المطالب الخصوصية المقدمة من بعض القطاعات والتي تتضمن مفعولا ماديا ضمن المفاوضات الاجتماعية ومع ممثلي المركزية النقابية يعني التفاوض بالوكالة وهو ما يثير قضية اكبر وأعمق وهو صلاحية النقابات القطاعية للتفاوض أصلا إذ أن المفاوضات مع الحكومة هي من صلاحيات الاتحاد العام لا الجامعات أوالنقابات العامة هذا من جهة ومن جهة أخرى هل أن التطور العام للنشاط النقابي في تونس وفي ظل الزيادات العامة الممنوحة بعنوان تلافي تدهور المقدرة الشرائية وحتى الزيادات الخصوصية سيقود عمليا إلى تهميش القطاعات لصالح المركزية النقابية التي
يسهل التفاهم معها إن لم نقل السيطرة عليها . ولقد نوقش هذا الموضوع بحدة في المؤتمر الأخير للاتحاد بالمنستير وعبرت كثير من النقابات عن مخاوفها من أن يقود هذا الوضع إلى مزيد من المركزية التي لا تخدم البتة حيوية المطالب القطاعية المسنودة بالنضال القاعدي
4 5) إن إفراد الجامعيين مع بعض قطاعات أخرى بزيادات خصوصية ومفاوضة الاتحاد مباشرة في ذلك وإعطاءه صلاحية توزيع الظرف الذي اتفق عليه على تلك القطاعات (حسب مقاييس غامضة قد يكون فيها للثقل الانتخابي نصيب ) أمر في غاية الخطورة وذلك سواء على مستوى علاقات النقابات بعضها ببعض داخل الاتحاد أو على مستوى علاقة الجامعة العامة بوزارة الإشراف
فعلى المستوى الأول يؤدي هذا التصرف الى تجاذبات بين ممثلي القطاعات والى اتهامات بإرادة احتكار الجانب الأكبر من المبلغ المرصود مع ما يعنيه ذلك تدريجيا من قتل روح التآزر والتكاتف بين النقابيين وهو ما حدث فعلا بين ممثلي بعض القطاعات بمناسبة مناقشة كيفية توزيع الظرف المذكور
أما على مستوى الجامعة العامة فان المستفيد الأكبر من هذا الاتفاق وبقطع النظر عن المبالغ الزهيدة التي وقع منحها للجامعيين هي وزارة للإشراف لأنه جنبها توقيع اتفاق ثنائي مع الجامعة العامة لان الوزارة تعلم جيدا أن أي إمضاء مع الجامعة العامة يعني اعترافا رسميا قانونيا وإداريا بها هذا من جهة ومن جهة أخرى فان هذا الإمضاء الذي شمل الأساتذة الباحثين والأساتذة التكنولوجيين لو كان حصل بين ممثلي القطاع ووزارة الإشراف لكان أنهي مسالة الاعتراف للجامعة بتمثيليتها لكل الرتب والأسلاك غير أن الوزارة لا تزال تتشبث بتعدد نقابي وهمي تحرص
عليه ويمنعها عمليا أن تقر للجامعة العامة بتمثيليتها لكل مكونات الجسم الجامعي لان إقرارها بذلك سيعني عمليا نهاية خرافة الأطر المزيفة التي خلقتها ومكنت لها لمزاحمة الهيكل القانوني والشرعي الوحيد الممثل للجامعيين والتشويش عليه
إن الحاصل من علاقة الجامعة العامة بوزارة الإشراف رفض للحوار صريح عندما تعني المسألة قضايا غير مالية فلقد تصرفت الوزارة في كل شيء بمفردها وآخر حلقات هذا السلوك الأحادي صياغتها للقانون التوجيهي للتعليم العالي بمفردها وعرضه للمصادقة على مجلسي النواب والمستشارين برغم كل الانتقادات الموجهة إليه من المجلس الاقتصادي والاجتماعي ومن الجامعة العامة ومن الأساتذة المستقلّين عن ايعازات الإدارة ،أضف إلى ذلك الأمر المنظم للجامعات ومشروع القانون الاستثنائي المتعلق بالتقاعد . أما عندما تعني المسالة مطالب مادية فان الانسحاب من الحوار
يتخذ شكلا معقدا بعض الشيء فهي من جهة تستجلب نقاباتها الكارتونية بالتوازي مع الجامعة العامة كي لا تقرّ للجامعة بتمثيليتها لكامل الجسم الجامعي وهو ما يمكنها من عدم الالتزام بعد ذلك بوجهة نظر واحدة مستخدمة في ذلك منطق هم كلهم يمثلون فكيف استجيب لواحد منهم يدعي احتكار التمثلية ؟ وهي في اختيارها لمفاوضيها تتجنب دائما أن تكون الجلسات بحضور الوزير مما يمكّن المفاوضين من السكوت والاختفاء وراء حجة الإحالة على سلطة القرار، وهي في آخر المطاف تختار أن تفاوض الاتحاد عوض ممثلي القطاع وتتقاسم معه الأدوار للانقلاب على مطالب القطاع وبث
البلبلة داخله بعد أن صيغت جلسات الحوار القليلة التي جمعت بين نقابة الجامعيين والوزارة في قوالب معلبة محلاة بصيغ الارتياح والاطمئنان وسيقت لاستهلاك الجامعيين والرأي العام
ان الاتفاق الممضى بين المركزية النقابية ووزارة التعليم العالي يذكر بشكل هو اقرب إلى المهزلة باتفاق ديسمبر 1999 الذي أمضاه الكاتب العام لنقابة التعليم العالي والبحث العلمي السيد مصطفى التواتي بالرغم من رفض القطاع له والذي أسفر حينها عن سحب الثقة من هذا الاخيرثم أسفر لاحقا عن انشقاق داخل نقابة التعليم العالي ، رفع أمره إلى القضاء الذي لم يبت في شانه إلى حد اليوم ،مع اختلاف جوهري وهو أن المنقلب اليوم على القطاع ليس كاتبا عاما متنكرا لإرادة زملائه بل هو الاتحاد نفسه الذي أوكل إليه منظوروه حق الدفاع عن مصالحهم وحماية حقوقهم .
ان ما يحدث بين المركزية النقابية والجامعة العامة أمر في غاية الخطورة لأنه يهدد بشكل جدي مستقبل العمل النقابي داخل الجامعة مما يستدعي إعادة صياغة العلاقة بين الاتحاد ونقاباته من اجل إرساء قدر أكبر من الديمقراطية داخله أولا ثم ضرورة إعادة النظر في آليات التفاوض وصيغه قصد ترك المجال أمام النقابات القطاعية لتتولى الدفاع عن مصالحها بعيدا عن منطق الوصاية وحتى لا يتحول الاتحاد إلى وكيل يعامل منخرطيه كقصر يفاوض مكانهم ويتلاعب بمصالحهم.
لكل ذلك فإننا نعتقد انه ما لم تحل مسالة التمثيلية النقابية داخل الجامعة وما لم تأخذ المفاوضات بين الجامعة ووزارة الإشراف شكل التفاوض الحقيقي الذي يقوم على تبادل المقترحات من قبل مفاوضين مفوّضين ملء التفويض فان وزارة الإشراف ستظل تتعامل مع جلسات التفاوض بينها وبين الجامعة العامة باعتبارها مسالة ديكورية تنتهي بإهمالهم تماما والالتجاء الى المركزية للالتفاف على تمثلية الهيكل النقابي الجامعي قصد تهمشيه و بث البلبلة داخله . فما الذي يمنع اليوم أن يتحول الصراع حول الزيادات الخصوصية من صراع بين الجامعة والوزارة إلى صراع بين
الجامعيين والاتحاد بل بين الجامعيين أنفسهم إذ أن مثل هذه الانقلابات لا تغذي غير منطق الإشاعات والاتهامات ورسم خطط لدسائس ومؤامرات قد يكون البعض منها من صنع خيال من يتربصون بالعمل النقابي عموما وبممثلي القطاع خصوصا .
أي مستقبل غامض ينتظر الجامعيين ونقابتهم ؟

عبدالسلام الككلي

ليست هناك تعليقات: