السبت، 17 يناير 2009

راي حر - النقابي بشير الحامدي

الحرب على الشعب الفلسطيني في غزة وتحركات الجماهير العربية



في كل ومرة وكلما قامت الدولة الصهيونية الذراع العسكرية للإمبريالية الأمريكية بالعدوان على الشعب الفلسطيني في داخل الأرض المحتلة أو في المخيمات [ في لبنان سنة 1982 مثلا ] أو كلما تعرض بلد من بلدان المنطقة إلى اعتداء من قبل إسرائيل أو للاحتلال كما وقع للعراق سنة 2003 إلا وخرجت الجماهير العربية في مسيرات ومظاهرات حاشدة منددة ومستنكرة ومتوعدة لكن سرعان ما تفتر هذه الهبات وتخمد مظاهر الغضب وتعود هذه الجماهير إلى ما كانت عليه متأقلمة مع واقعها واقع الاضطهاد الطبقي و الإذلال القومي راضخة لجلاديها وراضية بالواقع الجديد الذي يفرض في المنطقة كل مرة.

هكذا كان حال الشعوب العربية منذ عقود.

ما دفعني إلى التذكير بهذا العجز والذي أصبح سمة بارزة من سمات رد فعل الجماهير العربية على مشروع الهيمنة الإمبريالي الصهيوني على المنطقة العربية هو وللأسف أن هذه الجماهير وفي هبتها الآن ضد العدوان الذي تنفذه الآلة العسكرية الصهيونية على الشعب الفلسطيني في غزة منذ أكثر من أسبوعين تعيد إنتاج نفس الحالة السابقة.

فمنذ انطلاق العدوان و الجماهير في أغلب الأقطار العربية تتظاهر وتنظم المسيرات الحاشدة وتندد وتدين إسرائيل وأمريكا والأنظمة العربية المتواطئة مع العدوان والحرب على غزة وتطالب بضرورة التضامن العربي ودعم المقاومة وتنادي بإيقاف هذه الحرب الإجرامية.

وفي ظرف وجيز تشكلت قوة جماهيرية كبيرة على امتداد المنطقة مثلت بالفعل جبهة شعبية واسعة مساندة لنضال وصمود الشعب الفلسطيني وللمقاومة ومعارضة للحرب الإجرامية التي تنفذها الدولة الصهيونية الآن في غزة مكونة من أحزاب ونقابات ومنضمات مجتمع مدني ومن حقوقيين وشبيبة وحركات سياسية وشخصيات مستقلة.

إلا أن ما يجب ملاحظته هو أن حركة المساندة الشعبية هذه ولئن عبرت عن رفض الجماهير العربية ومن ومنطلق حسها القومي ومناصرتها للشعب الفلسطيني للمشروع الإمبريالي الصهيوني في المنطقة ولسياسات الأنظمة الدكتاتورية العربية المتواطئة وتحديدا حول مواقف هذه الأنظمة من الحرب على الشعب الفلسطيني في غزة ومن قضية تحرير فلسطين فإنها وللأسف لم تتجاوز مستوى التنديد والاستنكار وتنظيم المسيرات والتجمعات والمهرجانات الخطابية. وبالتالي فقد بقي فعل هذه الجماهير دون حجم الحدث ودون حجم التحديات التي تواجهها شعوب المنطقة ولم يقدر على التأثير في الأحداث.

إن حالة العجز لا تعود أسبابها إلى الجماهير في حد ذاتها وإنما مردها وضع الضبابية الذي تتخبط فيه إستراتيجية قواها السياسية المناضلة ضد المشروع الإمبريالي الصهيوني في نقاط عديدة أهمها ضعف وعي هذه القوى بالأبعاد الإستراتيجية لمشروع الهيمنة الإمبريالي الصهيوني وبخطورة المعركة التي يخوضها في هذه المرحلة بالذات على حاضر ومستقبل نضال الشعوب العربية من أجل تحررها القومي والاجتماعي. وضبابية الوعي بوسائل وأساليب مقاومة هذا المشروع.

إن مهمة جعل الجماهير تتخطي واقع العجز وتتجاوز حالة الدوران في الحلقة المفرغة المعهودة التي وسمت تحركاتها منذ عقود هي مهمة القوى التقدمية والعلمانية واليسارية المناضلة من أجل مشروع التغير الاجتماعي الجذري.

إنها بالدرجة الأولى مهمة الأحزاب والمنظمات والنقابات والجمعيات التي تكوّن موضوعيا هذه الجبهة التي ترفع راية هذا التغيير.

إن مهمة تحويل نشاط الجماهير إلى نشاط قادر على التأثير في الأحداث والرقي بهذا النشاط من مستواه الأول مستوى التضامن والتعاطف إلى مستوى أرقي شكلا ومضمونا لن يحصل إن لم تع هذه الأحزاب والمنظمات والنقابات والجمعيات الناشطة في صلب هذه الجماهير أنه عليها أن تعمل على تغير موازين القوى في كل بلد لصالح هذه الجماهير.ولحصول هذه النقلة لابد لهذه القوى السياسية من أن تتخطي هي نفسها ضعفها وتتجاوز مستوى النضال بالشعارات إلى مستويات أخرى أرقى ولن يكون ذلك ممكنا إلا إذا وعت أنه عليها الالتحام بالجماهير لمساعدتها على التنظم باستقلالية ومركزة نضالها ومطالبها وتوحيدها وهي الخطوة الأولي التي عليها العمل على تحقيقها لجعل الحركة الجماهيرية المناهضة للحرب على الشعب الفلسطيني والرافضة للمشروع الإمبريالي الصهيوني تتحول إلى حركة مستقلة فاعلة ومؤثرة.

إن على الأحزاب والمنظمات والنقابات والجمعيات وكل الهيئات المساندة للشعب الفلسطيني والمناهضة للهيمنة الإمبريالية والرافضة للحرب على غزة في كل البلدان العربية أن تعمل اليوم على دفع الجماهير إلى تجذير نشاطها وتطوير أشكال تنظمها ومساندتها وتجاوز مستوى التضامن إلى الانخراط في المقاومة فليس الشعب الفلسطيني وحده هو المعني بالصراع ضد الدولة الصهيونية والمشروع الإمبريالي. إن الجماهير العربية وفي كل قطر من الأقطار العربية هي أيضا معنية بهذا الصراع وطرف فيه لأن الدولة الصهيونية ليست إلا رأس حربة مشروع استعماري هيمني يستهدف كل شعوب المنطقة.

وعلى هذا الأساس فالصراع مع الإمبريالية والصهيونية والنضال ضدهما يمر حتما بالنضال ضد الأنظمة العربية الدكتاتورية وهو مستوى لابد أن ينعكس في نضال الجماهير العربية اليوم وفي حركة مساندتها للشعب الفلسطيني.

لذلك لابد لحركة الجماهير العربية أن تقرن نضالها ضد الحرب على الشعب الفلسطيني في غزة وضد الدولة الصهيونية بالنضال ضد دكتاتورياتها.

لابد لهذه الجماهير أن تفتك حق التعبير وحق التنظم من هذه الأنظمة البوليسية.

لابد لها أن تنخرط في مقاومة سياسات هذه الأنظمة التي لم تعد اليوم تخفي علاقتها بمشروع الهيمنة الإمبريالي الصهيوني.

لابد لهذه الجماهير أن تربط نضالها في أفقه القومي بنظالاتها الاجتماعية.

لابد لهذه الجماهير أن تربط بين نضالها ضد الحرب و ضد العدوان على الشعب الفلسطيني بنضالها ضد القمع ومصادرة الحريات وضد البطالة والتفقير وضد السياسات الاقتصادية المفروضة من رأس المال والتي ينفذها وكلاؤه المحليون.

لابد للجماهير العربية من النضال ضد الأحلاف والاتفاقيات العسكرية مع الإمبريالية الأمريكية وحليفتها الأوروبية التي تتقوى بها الدكتاتوريات العربية على شعوبها والعمل على إسقاطها.

لابد للجماهير العربية أن تختار نهج المقاومة مقاومة أنظمتها الدكتاتورية إنها الطريق الوحيدة التي يمكن لها أن تساهم في دعم نضال ومقاومة الشعب الفلسطيني.

إنه على الجماهير العربية وبقيادة القوى التقدمية والعلمانية واليسارية أن تعمل على تنظيم حركة تضامن شعبية مقاومة وجماهيرية فهي وحدها القادرة على تهديد هذه الأنظمة وتغير موازين القوى بين الشعوب العربية من جهة وأنظمتها وبين الإمبريالية والشعوب العربية من جهة أخرى.

أنه على هذه القوى كذلك أن تمركز النضال اليوم على مهمات واضحة وتعمل على تحقيقها.

فعلى النقابات مثلا أن تتجاوز مستوى التنديد والبيانات وجمع التبرعات على أهميته إلى تنظيم الإضرابات في كل القطاعات العمالية وهو شكل من أشكال النضال والمساندة والدعم غائب إلى حد الآن في كل المنطقة العربية.

كذلك على الأحزاب والمنظمات والحركات السياسية أن تفرض حقها في التعبير والتنظم والنشاط وبشكل مستقل عن الأنظمة ومؤسساتها وأحزابها . عليها أن تنظم المسيرات والتجمعات والإعتصامات وتوسّع أكثر ما يمكن من المشاركة الجماهيرية و تنسق تحركاتها ليس على مستوى قطري فقط إنما المطلوب هو التنسيق على مستوى المنطقة كلها من أجل توحيد المطالب والنضال من أجل فرضها. إن المطلوب من القوى التقدمية والعلمانية واليسارية الآن هو:

ـ النضال من أجل أن تقطع الأنظمة العربية علاقاتها مع الدولة الصهيونية وأن تلغي كل الاتفاقيات المبرمة معها و أن تطرد ممثليها.

ـ النضال من أجل فك الحصار على غزة و دعم المقاومة بكل ما تتطلبه.

ـ النضال ضدّ خط التسوية وضدّ كل المشاريع الاستسلامية والتمسك بنهج المقاومة لتحرير فلسطين.

ـ النضال لإسقاط كل الاتفاقيات والشراكات الاقتصادية والعسكرية التي فرضتها الأنظمة العربية الدكتاتورية على شعوب المنطقة لصالح الإمبريالية الأمريكية وحليفتها الأوروبية.

ـ التنسيق والتفاعل وتوحيد الجهود مع القوى السياسية الرافضة للحرب على الشعب الفلسطيني والمساندة لمقاومته عبر العالم وتفعيل هذا البعد من أجل توسيع جبهة المقاومة.

هذا هو المطلوب اليوم من الأحزاب ومن النقابات ومن المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني ومن حركات الشبيبة ومن كل القوى التقدمية والعلمانية واليسارية في كل قطر وعلى امتداد المنطقة العربية.

فهل تقدر هذه القوى على التحرك في هذا الاتجاه ؟

ليست هناك تعليقات: