المفاوضات حول الحق النقابي
وحالة الجامعيين المتعسف عليهم
من الأخبار الرائجة في الساحة النقابية هذه الأيام أن المفاوضات حول الجوانب الترتيبية تتقدم بخطى مشجعة وأنها حققت مكاسب للعمال وللنقابيين وخاصة فيما يتعلق بالحق النقابي. وهي أخبار لا يمكن إلا أن تدخل على النقابيين الارتياح ومزيد الإقبال على النشاط النقابي والانتساب للاتحاد العام التونسي للشغل. وريثما يقع تمكين النقابيين والقواعد من الاطلاع على فحوى الاتفاقات الحاصلة في هذا الباب تبقى هنالك عديد الحالات التي تجعل كل النقابيين وخاصة أولئك الذين يتعرضون لأنواع من التعسف من شأنها أن تبعث على الشك في ما راج حول التقدم في مفاوضات الجوانب الترتيبية.
أول هذه الحالات، حالة السادة الأساتذة الجامعيين ( نور الدين الورتتاني ورشيد الشملي ومحسن الحجلاوي ) الذين لحقهم التعسف بسبب نشاطهم النقابي ولم تتمكن المنظمة النقابية حتى الآن رغم كل الجهود المبذولة من رفع المظلمة المسلطة عليهم.
ففي الوقت الذي يجري الحديث عن " التقدم في مفاوضات الجانب الترتيبي "وفي الوقت الذي تدعو فيه الأوساط الرسمية " مختلف الأطراف إلى العمل من منطلق ما تتميز به من حس وطني وإدراك لأهمية الرهانات والتحديات القائمة على إنجاح المفاوضات الجارية حاليا " ( هذا ما جاء في خطاب رئيس الدولة يوم 7 نوفمبر ) تصر وزارة التعليم العالي ( ومن المؤكد بقرار رسمي من الدولة ) على الاستمرار في التنكيل بالأساتذة الثلاث المذكورين.
فالأستاذ الشملي تم إعلامه مؤخرا بقرار منعه من الدخول لكلية الصيدلة بالمنستبر حيث يعمل طيلة مدة العقوبة التي تقررت في حقه بعد إحالته على مجلس التأديب وبالتالي منعه من تأطير رسائل ختم دروس طلبته. ويمكن القول أن هذا القرار الذي يلحق بالسيد الشملي عقوبة إضافية يلحق في ذات الوقت – وبدون وجه شرعي – عقوبة بكل طالب اختار السيد الشملي لتأطير رسالة ختم دروسه. فهل بعد هذا تعسف؟ وهل هناك ما يجعل النقابيين يصدقون بجدية المفاوضات حول الحق النقابي؟ وهل مازال للسلطة من مصداقية في الحديث عن احترام الحق النقابي " المكفول دستوريا"؟
نتساءل عن ذلك والحال أننا نعرف جميعا أن إحالة الأساتذة المذكورين على مجالس التأديب والإمعان في إتباع نهج التعسف معهم ليس له من سبب سوى مواقفهم ونشاطاتهم النقابية.
أما السيد نور الدين الورتتاني فقد حرم من حق إحضار من يدافع عنه خلال مجلس التأديب، أو بالأحرى من حقه في تأجيل مجلس التأديب إلى غاية أن يتسنى له إحضار من يتولى الدفاع عنه – وهو أمر مكفول بالقانون – وتقرر ( بقرار من وزير التعليم العالي ) نقله من مركز عمله مع تغيير الإقامة وتم تعيينه في جزء جامعي بمدينة صفاقس ثم فوجئ بسلسلة من القرارات اللاحقة ( عدم تمكينه من جدول أوقات، تعيينه بجزء غير الجزء المنصوص عليه بقرار وزير التعليم العالي ....إلخ) آخرها ضرورة الاتصال بجامعة الجنوب بصفاقس لتسلم مراسلة من ذات الوزير لا يعلم ما تحمله من قرارات جديدة في حقه، ومن يدري فقد تنطوي على ما يفيد الاستغناء عن خدماته.
إن مثل هذا التعامل مع فئة من الموظفين الذين كان أحرى بالدولة ان تبجلهم وتتعامل معهم بما يحترم طبيعة الدور الذي يقومون به لا يعني سوى درجة استهتار وزارة التعليم العالي، ومن ورائها الدولة، بنخبة نخبتنا، أصحاب المعرفة، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بأشخاص يتمتعون بكفاءة مهنية عالية وباستقلالية في الرأي وبالتزام في الموقف والنشاط.
وجدير بالاتحاد العام التونسي للشغل اليوم أن يستخلص من حالة السادة الأساتذة الجامعيين المقموعين الدرس الحقيقي، لأن التعسف المسلط عليهم يتعدى في الحقيقة أشخاصهم ويستهدف في العمق حق وحرية النشاط النقابي في إحدى أهم المؤسسات العمومية ألا وهي الجامعة.
فإلى متى سيتواصل الحديث عن " التقدم في مفاوضات الجوانب الترتيبية والحق النقابي " والنقابيون تعانون من التعسف والظلم؟
إن أبسط درجات المصداقية لما يمكن أن يروج حول هذا التقدم إنما يعني بالدرجة الأولى رفع التعسف عن الأساتذة الورتتاني والشملي والحجلاوي ورد الاعتبار لهم وحفظ الملفات المفتوحة ضدهم وإلا فإن كل حديث عن " مفاوضات جدية " حول الحق النقابي لا يمكن أن يكون سوى ديماغوجيا أو في أحسن الأحوال مجرد خطاب مزدوج من هذا الجانب وذاك ولا يمكن للدولة أن تقنع أي نقابي نزيه بـ"احترمها للقانون وللمواثيق الدولية" الخاصة بالحق النقابي كما لن يكون بمقدور الاتحاد العام التونسي للشغل إقناع أي من مناضليه وقواعده بأنه يمثل أداة فاعلة لفرض احترام ما جاء في القوانين المحلية وفي المواثيق الدولية بخصوص الحق النقابي.
جيلاني الهمامي
الكاتب العام السابق لجامعة البريد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق