تونس في 27 ديسمبر 2008
بمناسبة الذكرى الستّين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان: الحق النقابي هو أيضا من حقوق الإنسان
عبد السلام الككلي الكاتب العام للنقابة الأساسية لكلية الآداب بمنوبة
تحظى الحقوق النقابية بحماية المعاهدات الدولية و الجهوية ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والميثاق الدولي للحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي ونصوص أخرى. و يفترض الإطار القانوني الدولي أن الحكومات تحمي الحقوق النقابية من خلال إرساء نظام لرصد كل أشكال التظلم ضد خرق الحق النقابي والأحكام القضائية والطعون والعقوبات. ويتعين على كل حكومة أن تمتنع عن معاقبة العملة الذين يؤسسون نقابات ولكن ليس هذا فحسب بل عليها كذلك إرساء ميكانزمات تمنع الأعراف من التصرف تعسفيا ضد العملة المنخرطين في نقابات عمّالية. و لهذا أهمية خاصة في القطاع العمومي وخاصة في قطاع التعليم حيث يكون المشغل في كل بلاد العالم هو الدولة. إن الحقوق النقابية مثل غيرها من الحقوق الإنسانية الجوهرية يجب أن تكون محترمة بغض النظر عن مستوى التنمية الذي بلغه بلد من البلدان.
1) حقوق العامل الجوهرية :
أ) الحق في التنظّم :
يتمثل هذا الحق في حرية الأفراد في التنظّم وفي تأسيس منظمات عمالية وفي الانخراط فيها من أجل حماية مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية ولكن رغم ذلك تحاول بعض الدول أن تحدّ من تأثير النقابات وذلك من خلال ثني العمال عن الانخراط فيها وذلك بتهديدهم بتسليط عقوبات عليهم أو من خلال إجبارهم على الانخراط في المنظمات المدعومة من قبل السلطة السياسية. و يعترف الفصل 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بحق كل فرد في تأسيس نقابة والانخراط فيها لحماية مصالحه . وفي عديد الدول لا يتمتع المدرسون المشغلون من قبل الدولة إلا بحق تكوين منظمات مهنية غير
النقابات وهذا يعني أن الحكومات تحد من حقوق الأشخاص الذين تشغلهم فتعتدي بذلك على تراتيب المعاهدة الدولية 87لمنظمة العمل الدولية حول الحرية النقابية . لقد أكدت لجنة الخبراء التابعة لهذه المنظمة مرارا وتكرارا أنه من الواجب " أن يتمتع الموظفون وخاصة مدرسو القطاع العام بإطار قانوني يخول لهم تأسيس نقابات والانخراط فيها بحرية". ويتجاوز حق التنظم الحدود الدولية المعترف بها إذ انه تجمع عمال العالم منظمات دولية تمثلهم ورغم ذلك لا تتورع بعض الدول عن تعطيل مشاركة النقابيين في الاجتماعات الدولية ويعتبر هذا الحق جوهريا ولذلك يستوجب على كل الدول أن تمتنع عن اتخاذ أي إجراء يحد من هذا الحق من قبيل منع تسليم جواز السفر أو عدم تجديده لطالبه أو عدم إسناد الرخص اللازمة أحيانا لعبور الحدود.
ب) الحق في استقلالية التسيير الداخلي :
يتضمن الحق في التنظم حق منظمات العمال في تصور قوانينها الأساسية وهيكلتها الداخلية وفي تعديل هذه القوانين أو هذه الهيكلة وفق ما تراه صالحا وفي انتخاب ممثليها وفي وضع برامج عمل ونشاطات تمارسها بشكل شرعي وسلمي . وفي كثير من الدول تتعرض النقابات إلى تدخل سافر في شؤونها الداخلية. وبحسب منظمة العمل الدولية يعدّ عزل المسؤول النقابي من قبل الدولة خرقا للحق النقابي كما تؤكد المنظمة أيضا أن الأحكام المتعلقة بإيقاف العمل بالقانون الأساسي للنقابة أو حلها يجب أن تكون بمقتضى حكم عدلي صادر عن هيئة قضائية وقابل للطعن أمام محكمة مستقلة ومحايدة .
ج) الحق في الاجتماع :
يجب ألا يتعرض هذا الحق للمنع إلا لأسباب أمنية وطنية أو من اجل حماية الأمن العام ولكن القواعد الدولية تحد من إمكانية اللجوء إلى القوة وتفرض ألا تستعمل الشرطة القوة إلا كحل أخير وفي تناسب تام مع التهديد الذي قد يمثله الاجتماع العمالي بشكل يحد من الخسائر والإصابات.
د) الحق في الإضراب :
رغم أن حق الإضراب ليس حقا مطلقا فهو محضور في بعض القطاعات أو في بعض المصالح الحيوية ورغم أنه ليس خالص الأجر في كل التشريعات الدولية تقريبا إذ انه يقصد بالأجر عادة ما يستحقة العامل من مؤجره مقابل العمل الذي أنجزه لكنه معترف به من قبل المعاهدات الدولية غير أن الحق النقابي ممنوع في بعض الدول في المصالح العمومية أو من الصعب ممارسته جرّاء إجراءات معقدة كما أن عديد الدول تعتبر المدارس والجامعات مصالح أساسية لا يجوز توقف العمل بها مثل هو الأمر في ألمانيا مثلا.
ه) الحق في المفاوضات الجماعية :
ويعتبر إعلان منظمة العمل الدولية حول حقوق العمل الجوهرية أن حق إجراء مفاوضات جماعية والإشراف عليها إشرافا فعليا هو حق جوهري من حقوق العمال ووضحت المحكمة العليا الكندية أن الحق في إجراء مفاوضات جماعية مع المشغل يدعم الكرامة الإنسانية وحرية العمال واستقلاليتهم من خلال منحهم فرصة التأثير على إرساء قواعد قابلة للتنفيذ في مقرات العمل وبالتالي اكتساب نوع من القدرة على مراقبة جانب أساسي من جوانب حياتهم ألا وهو العمل . ولا شك أن المفاوضات الجماعية تسمح بتفعيل شكل من أشكال الديمقراطية في موقع العمل يمكّن من فرض واقع يجعل (القانون
محترما في هذه المواقع (انظر"عوالم التربية" بالفرنسية ديسمبر2008) إن العمل النقابي الحر والنشيط هو عماد الديمقراطية ومؤشر على التنمية المتدرجة لأمة من الأمم. غير أن الملاحظة الأساسية التي تستدعي نفسها هنا هو الفجوة الهائلة بين التشريعات الدولية والجهوية والمحلية التي تضمن ممارسة الحق النقابي عموما وبين واقع الحال في كثير من الدول.
2) الحق النقابي في تونس : تشريع متطور وواقع بائس :
ينص الفصل الثامن من الدستور التونسي على أن الحق النقابي مضمون غير أن التشريعات التونسية لا تتضمن إقرارا صريحا بالحق في الإضراب. وإنما فهم من الفصل الثامن من الدستور من طريق التأويل أن الإقرار بالحق النقابي يفترض بالتبعية الإقرار بالحق في الإضراب.ويمنح المشرع في تونس النقابات صلاحيات واسعة نسبيا خارج المؤسسة وخاصة فيما يتعلق بالنزاعات الجماعية والتفاوض الجماعي ولئن صمتت مجلة الشغل عن تواجد الهيكل النقابي أو النائب النقابي داخل المؤسسة فان الاتفاقيات الجماعية قلصت من هذا الفراغ القانوني. وفعلا فان الأحكام الواردة بتلك الاتفاقيات فتحت منفذا لحضور النقابة داخل المؤسسة حيث فرضت على المؤجر ضرورة الاعتراف بالهيكل النقابي الممثل في نوابه المنتخبين وضرورة قبول هؤلاء علاوة على إقرار جملة من الإجراءات لفائدة النقابة كتخصيص لوحة حائطية للإعلانات النقابية ومنح رخص نقابية لمدة معينة من ساعات العمل وإمكانية عقد اجتماعات بمقر الشركة بعد موافقة المؤجر.
إلا أن هذا التشريع المتطور نسبيا لا يعكس الواقع اليومي للعمل النقابي فقد بين تحقيق ميداني قام به الاتحاد العام التونسي للشغل في المدة الأخيرة والذي استهدف عينة ممثلة من الإطارات النقابية والقاعدية من مختلف القطاعات والجهات أن القطاع الخاص يتعمد الجمع بين العمل الهش وغير اللائق ومعاداة بدائية للعمل النقابي. فالعرف التونسي مازال ينظر بعين الريبة إلى كل نشاط نقابي داخل مؤسسته ويعمل جاهدا من أجل منعه لأنه يعتبره عموما موجها ضد مصالحه (انظر التقرير الأدبي للمؤتمر الحادي والعشرين للاتحاد العام التونسي للشغل).
أما تصرف الدولة باعتبارها مشغلا من جهة وحكما بين كل الأطراف من جهة أخرى فان تصرفها يتسم عادة بالازدواجية. فالحكومة التونسية تمضى عموما على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة ولا قدرة لها على تجاهلها مطلقا لان التشريع الدولي يعتبر الحقوق النقابية جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان ولكنها ومن أجل الحد من فاعلية هذا التشريع الدولي تحاول الالتفاف على القوانين الدولية من خلال التطبيق وذلك بواسطة التحكم تحكما تاما في الجهاز القضائي وتوجيهه أو حتى توظيفه . هذا من جهة أما من جهة أخرى فان تصرف الدولة التونسية كمشغل لا يكاد يختلف عن الأعراف الخواص إذ أنها تلتجئ إلى منع الاجتماعات في مقرات العمل أو تحاول الحد من إشعاع نقابات القطاع العام من خلال التدخل في شؤونها الداخلية بافتعال أزمات صلبها ولا يكاد التظلم لدى الهيئات الدولية يسفر عن نتائج ملموسة وذلك لتعقد اجرءات التقاضي لديها وبطء صدور قرارات بشان النزاعات المعروضة على أنظارها . كما أن هذه الهيئات تنتهي في كثير من الحالات إلى اعتبار نفسها غير مخولة للبت في قضايا هي من مشمولات القضاء المحلي . كما انه من الصعب أيضا إثبات امتناع المحاكم عن القضاء في النوازل التي هي تحت أنظارها الشيء الذي يدخل بعض النقابات في نوع من الحلقة المفرغة كما هو الحال بالنسبة إلى نقابة التعليم العالي. فقد تأبد بت محكمة الاستئناف في مسالة التمثيل النقابي في الجامعة وتجمد منذ سنوات في طور التصريح بالحكم. وفي خلاصة فانه بالرغم من النوايا المعلنة في الخطاب الرسمي بشأن الالتزام بحقوق الإنسان ومنها الحق النقابي فان هذا الحق لا يزال محاصرا بأشكال ظاهرة ومتخفية ولا تزال الحرية النقابية تشكو في السلوك اليومي من كثير من العوائق التي تتحالف في صنعها الدولة والأعراف الخواص.عبد السلام الككلي الكاتب العام للنقابة الأساسية لكلية الآداب بمنوبة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق